الأربعاء، 30 أبريل 2025

ماهو صحيح مسلم

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلى وسلم على سيدنا محمد 
وعلى اله واصحابه وذريته وازواجه ومن اتبعه الى يوم القيامة
وسلم تسليما كثيرا

 التعريف بصحيح مسلم

أولا:اسم الكتاب

منهم من يُسميّه باسم "المسند الصحيح" 36 ، ومن العلماء من يسميه "الجامع" 37 ، لكن الكثير من أهل العلم

يسميه اختصارا"صحيح مسلم" واسمه الكامل هو:"المسند الصحيح المختصر من السنن بنقل العدل عن رسول الله صلى

. الله عليه وسلم" 38

ثانيا:سبب ومدة تأليفه

أمّا عن سبب تأليفه فيتمثل في أن سائلا همّ بالفحص عن جملة الأخبار المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم في

سنن الدين وأحكامه، فسأل مسلم تعيين تلك الجملة، فلما تدبر مسلم نواله ومراده، ونظر إلى ما تؤول به الحال، علم

. أن عاقبة ذلك محمودة، فزاده قوة في إجابة نواله 39

وكانت مدة تأليفه هي خمس عشرة سنة، قال أحمد بن سلمة "كنا مع مسلم في تأليف صحيحه خمس عشرة سنة

40 ، وقد صنف مسلم الصحيح في بلده ،بحضور أصوله في حياة كثير من مشايخه، فكان يتحرز في الألفاظ، ويتحرى "

. في السياق 41

. -35 المصدر نفسه، ص 490

. -36 ابن الصلاح، صيانة صحيح مسلم، ص 67

. -37 العصيمي، المتابعات والشواهد - دراسة نظرية تطبيقية على صحيح مسلم -، ص 129

. -38 المصدر نفسه، ص 130

. -39 المصدر نفسه، ص 130

. -40 الذهبي، سير أعلام النبلاء،ج 12 ، ص 566

. -41 ابن حجر، هدي الساري، ص 12

12

ثالثا :عدد أحاديثه وكتبه وأبوابه

عدد أحاديث الكتاب 3033 حديث بدون مكرر، أما بالمكرر فهي 7479 حديث 42 ، ومنهم من قال هي

4000 حديث، وبالمكرر 12000 حديث 43 . وعدد كتبه هي أربعة وخمسين كتابا، ابتداء من كتاب الإيمان إلى كتاب

التفسير .

ومسلم لم يضع لكتابه تراجم الأبواب، إنما جمع الأحاديث المتعلقة بموضوع واحد، وماهو موجود من ذكر عناوين

الكتب والأبواب في بعض النسخ المطبوعة ليس من وضع المؤلف، وإنما هو من وضع من جاء بعده من الش رّاح ،

وأحسن من وضع التراجم هو الإمام النووي في شرحه .

رابعا : شرطه

لم يصرح مسلم بشرطه، فالأمر اجتهادي تخمينين من العلماء، لكن يستفاد شرطه من اسم الكتاب "المسند

الصحيح المختصر من السنن بنقل العدل عن العدل عن رسول الله"، ويظهر هذا في لفظين اثنين هما :"المسند "،

"الصحيح "، حيث ذكر صاحب كتاب"صيانة صحيح مسلم"قوله:(شرط مسلم في صحيحه هو:أن يكون الحديث

. متصل الإسناد بنقل الثقة عن الثقة من أوله إلى منتهاه، سالما من الشذوذ والعلة.وهذا هو حد الصحيح) 44

خامسا:شروحه

لقي كتاب صحيح مسلم عدّة شروح منها:

-1 المعلم بفوائد كتاب مسلم، تأليف:أبو عبدالله محمد بن علي المازري، المتوفى سنة 536 ه.

2- إكمال المعلم، تأليف:القاضي عياض، المتوفى سنة 544 ه.

-3 المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج، تأليف:أبوزكريا يحي بن شرف النووي، المتوفى سنة 676 ه.

. وهناك الكثير من الشروح المطبوعة وغير المطبوعة 45

سادسا:منزلة الكتاب

تبوأ صحيح مسلم بحسن ترتيبه، ودقة وضعه مكانة ومنزلة عالية:

. قال فيه ابن الصلاح:(لو أن أهل الأرض يكتبون مائتي سنة الحديث فمدارهم على هذا المسنّد) 46

. -42 العصيمي، المتابعات والشواهد - دراسة نظرية تطبيقية على صحيح مسلم -، ص 133

. -43 أبو شهبة، في رحاب السنة - الكتب الستة -، ص 116

. 44 - ابن الصلاح، صيانة صحيح مسلم، ص 72

. -45 أبو شهبة، في رحاب السنة - الكتب الستة -، ص 123

. -46 ابن الصلاح، صيانة صحيح مسلم ، ص 67

13

. وقال الذهبي:(وهو كتاب نفيس كامل في معناه) 47

. وقال أبوعلي الحسيّن بن علي النيسابوري:(ما تحت أديم السّماء كتاب أصح من كتاب مسلم بن الحجّاج) 48

يبدوا أن العلماء المتقدمين والمتأخرين قد أثنوا على الصحيحين، وتلقتهما الأمة بالقبول، رغم بعض الانتقادات

الموجهة لهما، لكن جلّ هذه الإنتقادات كانت في بعض الأسانيد، لا في المتن، أما المتون المنتقدة فقليلة جدا، حتى وإن

وجدت فهي في طرف من الحديث أو زيادة لفظة فقط لا كلّ المتن، مع إمكان دفع ذلك ورده 49 ، ومن هؤلاء النقاد

المتخصصين:الإمام الدار قطني في كتابه الإلزامات والتتبع، والإمام أبو بكر الإسماعيلي في مستخرجه على صحيح مسلم،

والإمام أبو سعود الدمشقي في كتابه الأطراف، والإمام أبو علي الج بائي الغساني في كتابه تقييد المهمل وتفنيد

. المشكل 50

وأما الذين طعنوا في الصحيحين وليسوا من أهل الحديث، ولم يدرسوا علم الحديث دراية ورواية، ولم يتعمقوا فيه فلا

اعتبار لقولهم أو نقدهم.

وإذا أردنا أن نوازن بين الصحيحين، فإن جمهور العلماء على تقديم صحيح البخاري على صحيح مسلم لعدة

اعتبارات منها:

-1 الشرط الذي استقاه العلماء من صحيح البخاري أشد وأقوى من شرط مسلم، إذ البخاري اشترط اللقاء

والمعاصرة، أمّا مسلم فقد اكتفى بالمعاصرة. 51

-2 وكذلك شهادات العلماء على تقديم صحيح البخاري على صحيح مسلم، ومن ذلك ما قاله الدار قطني لما

ذكُر له الصحيحان، فقال:(لولا البخاري لما ذهب مسلم ولا جاء، وأي شيئ صنع مسلم، إنما أخذ كتاب البخا ري

. فعمل عليه مستخرجا وزاد عليه زيادات) 52

-3 الأحاديث المنتقدة عليهما وصلت إلى مائتين وعشرة،اختص البخاري منها بأقل من ثمانين حديثا،وباقيها

. ا مسلم 53 􀁏 اختص

. -47 الذهبي، سير أعلام النبلاء،ج 12 ، ص 568

. -48 العصيمي، المتابعات والشواهد - دراسة نظرية تطبيقية -، ص 137

. -49 لتوسع انظر كتاب:مصطفى باجو، الأحاديث المنتقدة على الصحيحين، ط 1، مكتبة الضياء، طنطا، 2005 ، ص 8

. 50 - المصدر نفسه، ص 6

. 51 - نصر سلمان ، الموجز في علوم الحديث، ط 1، دار الفجر للطباعة والنشر، قسنطينة، 2003 ، ص 130

. 52 - ابن حجر، هدي الساري، ص 10

. 53 - نصر سلمان، الموجز في علم الحديث، ص 126

14

وينبغي الإشارة إلى أن هذا التفضيل ليس على العموم، فليس كل حديث في صحيح البخاري أصح مما في صحيح

. مسلم، بل هناك أحاديث في صحيح مسلم أصح من أحاديث البخاري 54

احتل الصحيحان مكانة عالية لدى الناس جميعا بفضل جملة من الخصائص العلمية التي اعتمدها البخاري ومسلم

ولعلّ أهمها الإخلاص وتحري الصدق في كل حديث.

ماهو صحيح البخاري

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلى وسلم على سيدنا محمد 
وعلى اله واصحابه وذريته وازواجه ومن اتبعه الى يوم القيامة
وسلم تسليما كثيرا 

التعريف بصحيح البخاري

أولا:اسم الكتاب

اختلف العلماء في ضبط اسمه، منهم من قال إنّ اسمه هو:(الجامع الصحيح المسند المختصر من حديث رسول الله

. وسننه وأيامه) 23

. ومنهم من يسميه:(الجامع الصحيح المسنّد من حديث رسول الله صل الله عليه وسلم) 24

ويظهر أن الاسم الثاني أنسب، لأن كلمة"أمور" أشمل من كلمة حديث، وكلمة "المسنّد" أدق من كلمة

. "الصحيح"، وكلمة المختصر موافق لقول البخاري:(وتركت من الصحيح حتّى لا يطول) 25

ثانيا:سبب ومدة تأليفه

هناك سببان مشهوران هما:

-1 توجيه من المحدث إسحاق بن راهويه شيخ الإمام البخاري في مجلس من مجالسه العلمية، حيث قال له:(لو

جمعتم كتابا مختصرا لصحيح سنة رسول الله صل الله عليه وسلم) 26 ، فقال البخاري:(فوقع ذلك في قلبي، وأخذت أجمع

. الجامع الصحيح) 27

-2 قول البخاري:(رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وكأني واقف بين يديه وبيدي مروحة أذب عنه،

. فسألت بعض المعبرين، فقالوا لي:أنت تذب عنه الكذب، فهو الذي حملني على إخراج الجامع الصحيح) 28

أمّا المدة التي قضاها في التأليف فهي ستة عشر عاما،حيث قال:(صنفت كتابي هذا لست عشرة سنة،خرّجته من

. ستمائة ألف حديث وجعلته حجة فيها بيني وبين الله تعالى) 29

. -23 بدر الدين العيني، عمدة القاري شرح صحيح البخاري، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 2001 ، ج 1، ص 5

. -24 ابن حجر، هدي الساري، ص 7

. -25 الذهبي، سير أعلام النبلاء،ج 12 ، ص 474

. -26 الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، د.ط، دار الكتب العلمية ، بيروت،ج 2، ص 8

. -27 الذهبي، سير أعلام النبلاء،ج 12 ، ص 401

. -28 ابن حجر، هدي الساري، ص 5

. -29 الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد،ج 2، ص 14

10

ثالثا:عدد أحاديثه وكتبه وأبوابه

احتوى الصحيح على 4000 حديث،وبالمكرر 7275 حديث. 30 وأما عدد الكتب فهي 97 كتاب،ابتداء من كتاب

. بدء الوحي وانتهاء بكتاب التوحيد،وعدد أبوابه هي 3450 بابا 31

رابعا:شرطه

لم ينقل عن الإمام البخاري التنصيص على شروط معيّنة لرواية الحديث، ولكن من خلال سبر كتابه استطاع العلماء

أن يقفوا على شروطه، وهي نفسها شروط الحديث الصحيح، وهذا من خلال تسمية كتابه"الجامع الصحيح المسند

المختصر من حديث رسول الله وسننه وأيامه"، ومن خلال قول البخاري نفسه:(ما أدخلت في كتابي إلا ما صح،وتركت

. الكثير حتى لا يطول) 32

خامسا:شروحه

لم يحظ كتاب بعد كتاب الله بعناية العلماء مثل ما حظي به كتاب صحيح البخاري، ومن أهمّ هذه الشروح:

-1 أعلام السنن، تأليف:أبو سليمان الخطابي، المت وفى سنة 388 ه.

-2 الكواكب الدّراري شرح صحيح البخاري،تأليف:محمد بن يوسف الكرماني،المتوفى سنة 786 ه.

-3 التوضيح شرح الجامع الصحيح،تأليف:عمر بن علي بن الملقن، المتوفى سنة 805 ه.

-4 فتح الباري شرح صحيح البخاري،تأليف:أحمد بن علي بن حجر العسقلاني،المتوفى سنة 852 ه.

-5 عمدة القاري شرح صحيح البخاري،تأليف:بدر الدين العيني،المتوفى سنة 855 ه.

. وهناك الكثير من الشروح المطبوعة وغير المطبوعة 33

سادسا:منزلة الكتاب

تبوأ صحيح البخاري منزلة عالية نظرا لقوة شرطه، وفقه تراجمه، جعلته ينظر إليه نظرة إعجاب واعتزاز، فليس هناك

كتاب حظي بمنزلة عالية بعد كتاب الله مثل صحيح البخاري.

. قال فيه النسائي:(ما في هذه الكتب كلها أصح من كتاب محمد بن إسماعيل) 34

. -30 ابن حجر، هدي الساري، ص 465

. -31 أبو شهبة، في رحاب السنة-الكتب الستة-، ص 85

. -32 الذهبي، سير أعلام النبلاء،ج 12 ، ص 474

.100- -33 أبو شهبة، في رحاب السنة- الكتب الستة -، ص 97

. -34 ابن حجر، هدي الساري، ص 489

11

وقال ابن حجر:(وأجمع الناس على صحة كتابه، حتى لو حلف حالف بطلاق زوجته ما في صحيح البخاري كله

حديث مسند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو صحيح عنده كما نقله، ما حُكم بطلاق زوجته، نقل ذلك

غير واحد) 35

من هو مسلم

 بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلى وسلم على سيدنا محمد 
وعلى اله واصحابه وذريته وازواجه ومن اتبعه الى يوم القيامة
وسلم تسليما كثيرا

التعريف بالإمام مسلم
أولا:اسمه ومولده
هو أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري،ينسب إلى قبيلة بني قشير العربية، وعليه فهو عربي
الأصل 12 ، أما عن تاريخ مولده فهو غير موجود، وذكر أحد الباحثين أن الإمام مسلم توفي عشية الأحد، ودفن يوم
الاثنين لخمس بقين من رجب سنة إحدى وستين ومائتين، وهو ابن خمس وخمسين سنة، وهذا يتضمن أن مولده كان في
. سنة ست ومائتين 13
ثانيا:نشأته ورحلاته العلمية
، لم يتأخر مسلم عن التبكير في سماع الحديث،حيث بدأ السماع وعمره ثمان عشرة سنة من يحي بن يحي التميمي 14
يعني بعد المائتين، فيكون عمره في بداية طلبه للحديث اثنتي عشرة سنة، وفي هذه السن المبكرة يتبين حسن نشأته،
وصلاح بدايته. أما عن رحلاته فلم تكن له رحلات كثيرة كالإمام البخاري،إلا أ نّه رحل إلى الحجاز، والعراق، والشام،
. ومصر، وغيرها 15
ثالثا:شيوخه وتلامذته
-1 شيوخه:
سمع مسلم من عدة شيوخ منهم:أحمد بن حنبل،محمد بن بشار ، وإسحاق بن راهويه، وقتيبة بن سعيد، وزهير بن
. حرب، وسعيد بن منصور، وغيرهم... 16
. -12 الذهبي، سير أعلام النبلاء،ج 12 ، ص 558
-13 ابن الصلاح، صيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط وحمايته من الإسقاط والسّقط، ط 3، دار الغرب الإسلامي، بيروت،
. ص 62
. -14 الذهبي، سير أعلام النبلاء،ج 12 ، ص 558
. -15 أبو شهبة، في رحاب السُ نّة- الكتب الستة -، ط 3، سلسلة البحوث الإسلامية، القاهرة، 1995 ، ص 107
. -16 الذهبي، سير أعلام النبلاء،ج 12 ، ص 558
8
-2 تلامذته:
تلقى عنه الحديث عدد كثير منهم:أبو الفضل أحمد بن سلمة،وأبوعيسى الترمذي، وأبو بكر بن
. خزيمة،وغيرهم... 17
رابعا:تصانيفه
صنف عدة كتب منها:الصحيح وهو أشهرها، والتمييز، والكنى والأسماء، ورجال عروة بن الزبير، وأوهام المحدثين،
. وغيرها... 18
خامسا:منزلته وثناء العلماء عليه
مناقب الإمام مسلم كثيرة نذكر منها:
قال محمد بن بشار:(حفاظ الدنيا أربعة:أبو زرعة بال رّي،ومسلم بن الحجاج بنيسابور، وعبدالله بن عبدالرحمان
بسمرقند، ومحمد بن اسماعيل ببخارى). 19
وقال محمد بن الأخرم:(أخرجت نيسابور ثلاثة رجال:محمد بن يحي،مسلم بن الحجاج، وإبراهيم بن أبي طالب). 20
وقال محمد بن الأخ رم:(إنما أخرجت نيسابور ثلاثة رجال: محمد بن يحي، ومسلم بن الحجّاج، وابراهيم بن أبي
طالب). 21
سادسا:وفاته
. توفي الإمام مسلم عشية الأحد، ودفن يوم الإثنين لخمس بقين من رجب سنة احدى وستين ومائتين، فرحمه الله 22
نلاحظ من خلال هذه الترجمة المختصرة للإمامين البخاري ومسلم أن لهما قدم راسخة في علم الحديث خاصّة، وفي
سائر العلوم عامة، وهذا بشهادة العلماء المعاصرين والراسخين في العلم.
. -17 المصدر نفسه، ص 562
. -18 المصدر نفسه، ص 562
-19 صالح العصيمي، المتابعات والشواهد-دراسة نظرية تطبيقية على صحيح مسلم-، رسالة ماجستير،إشراف: موفق بن عبدالقادر،
. جامعة أم القرى،كلية الدعوة وأصول الدين، 2007 ، ص 127
. -20 الذهبي، سير أعلام النبلاء، ص 565
. -21 العصيمي، المتابعات والشواهد، ص 127
. -22 ابن الصلاح، صيانة صحيح مسلم، ص 6

من هو البخارى

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلى وسلم على سيدنا محمد 
وعلى اله واصحابه وذريته وازواجه ومن اتبعه الى يوم القيامة
وسلم تسليما كثيرا

التعريف بالبخاري

أولا:اسمه ومولده

هو أبو عبدالله محمد بن اسماعيل بن ابراهيم بن المغيرة البخاري،ولد يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة لثلاث عشرة ليلة

. خلت من شوال سنة أربع وتسعين ومائة ببخارى 2

ثانيا:نشأته ورحلاته العلمية

نشأ البخاري في بيت ملؤه العلم والعبادة والورع ،فكان والده من كبار المحدثين في ذلك العصر،وكان حريصا على

أن يكون مطعمه ومطعم أسرته حلالا، ومما يشهد لذلك قول والده " لا أعلم من مالي درهما من مال حرام ولا درهما من

شبهة"،كما رزقه الله أُمّ ا صالحة حافظت عليه واعتنت به،كما رزقه الله ذاكرة قوية وفهما ثاقبا، فكان أول سماعه

. للحديث سنة 205 ه، وبعد حفظه لمرويات بلده رحل في طلب المزيد 3

وعن رحلاته يروي عن نفسه رحلاته العلمية بقوله:(دخلت إلى الشام ومصر والجزيرة العربية مرتين وإلى البصرة أربع

. مرات، وأقمت بالحجاز ستة أعوام، ولا أحصي كم دخلت إلى الكوفة وبغداد مع المحدثين) 4

ثالثا: شيوخه وتلامذته

-1 شيوخه:

له شيوخ كثر أشهرهم:أحمد بن حنبل، محمد بن بشار، وإسحاق بن راهوية،ومكي بن مكي، وقتيبة بن سعيد،

. ويحي بن معين، وغيرهم... 5

- الذھبي، سیر أعلام النبلاء، تحقیق: شعیب الأرناؤوط - لیس وحده - ط 3، مؤسسة الرسالة، بیروت، 1985 ، ج 3، ص 2.391

. -3 ابن حجر، هدي الساري، تحقيق:محي الدين الخطيب، د.ط، دار الفكر، ص 488

. -4 المصدر نفسه، ص 488

.394- -5 الذهبي، سير أعلام النبلاء،ج 12 ، ص 393

6

-2 تلامذته:

له تلاميذ كثر أشهرهم:مسلم بن الحجاج، وأبو عيسى الترمذي، وأبو حاتم الرازي،وأبوبكر بن خزيمة، والنسائي،

. وغيرهم... 6

رابعا:تصانيفه

صنف رحمه الله عدّ ة كتب أشهرها: الجامع الصحيح وهو أهم مؤلفاته وأشهرها، والتاريخ الكبير والأوسط، خلق

أفعال العباد، والأدب المفرد،والع لّل،وغيرها... 7

خامسا:منزلته وثناء العلماء عليه

مناقب البخاري كثيرة لا يمكن حصرها،نذكر بعضها:

. قال الإمام مسلم:(أستاذ الأستاذين ،وسيدالمحدثين،وطبيب الحديث في عل لّه) 8

. وقال محمد بن بشار:(لم يدخل البصرة رجل أعلم بالحديث من محمد بن إسماعيل) 9

. وقال يعقوب بن إبراهيم الدورقي:(محمد بن إسماعيل فقيه هذه الأمة) 10

سادسا:وفاته

بعد حياة حافلة بالعلم وكثرة الترحال، توفي البخاري ليلة السبت وهي ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين ومائتين

عن عمر تجاوز الإثنين والستين عاما 11 نسأل الله العلي العظيم أن يرحم الإمام البخاري بواسع رحمته وعظيم امتنانه

,وأن يسكنه فسيح جنّاته في الفردوس الأعلى مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين

وحسن أولئك رفيقا.

تفسير وشرح قصة يوسف عليه السلام في القرآن

 بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلى وسلم على سيدنا محمد 
وعلى اله واصحابه وذريته وازواجه ومن اتبعه الى يوم القيامة
وسلم تسليما كثيرا
تُعدُّ قصة يوسف في القرآن الكريم نموذجاً من قصص المرسلين. فيها عبرة لمن يعقل، وفيها تصديق ما جاءت به الكتب المنزلة من قبل. وقد وردت القصة في القرآن الكريم في سورة كاملة، وذُكر اسم يوسف عليه السلام في القرآن الكريم ستاً وعشرين مرة، منها أربعاً وعشرين في سورة يوسف.

وكان نزول هذه السورة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل هجرته من مكة إلى المدينة. قال النسفي: "إن كفار مكة لقي بعضهم اليهود، وتباحثوا في ذكر محمد صلى الله عليه وسلم فقال لهم اليهود: سلوه لم انتقل آل يعقوب من الشام إلى مصر؟ وقد جاء في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله) رواه البخاري.

حاصل القصة

كان لـ يوسف عليه السلام أحد عشر أخاً، وكان أبوه يحبه كثيراً. وذات ليلة رأى يوسف في منامه أحد عشر كوكباً والشمس والقمر له ساجدين. فقص على والده رؤياه، فنصحه بألا يقص الرؤيا على إخوته؛ مخافة أن يحسدوه. وسوس الشيطان لإخوته، فاتفقوا على أن يلقوه في بئر عميق. وادعوا أن الذئب أكله. وجده ناس من التجار، فأخذوه وباعوه بثمن بخس، واشتراه ملك مصر، وطلب من زوجته أن ترعاه. وكبر يوسف . أخذت امرأة العزيز تراوده عن نفسه، فأبى فكادت له، ودخل السجن. ثم أظهر الله براءته، وخرج من السجن بعد ذلك، واستعمله الملك على اقتصاد مصر، حيث أحسن إدارته في سنوات القحط. ثم اجتمع شمله مع إخوته ووالديه وتحققت رؤياه.

تفاصيل القصة

كان يوسف يحظى بحب كبير من أبيه يعقوب، وقد لاحظ إخوته مكانة يوسف عند أبيه، فجعلت الغيرة تعتصر قلوبهم، والحسد يكشر عن أنيابه! تبدأ القصة بإخبار يوسف والده أنه رأى في المنام أحد عشر كوكباً والشمس والقمر يسجدون له، فطلب يعقوب من ولده ألا يقص رؤياه على إخوته؛ إذ إن ذلك سيجعلهم يزدادون حسداً له، وحقداً عليه، وغيرة منه. بيد أن خبر الرؤيا وصل إلى هؤلاء الأخوة الحساد، فخلا بعضهم، وتناقشوا فيما بينهم فيما هم فاعلون، وأجمعوا أمرهم على أن يأخذوا يوسف ويلقوه في بئر عميق؛ ليطفئوا نار الغيرة التي تشتعل في صدروهم.

وبعد أخذ ورد مع والدهم، وافق الوالد الحنون على إرسال يوسف مع إخوته لقضاء بعض الوقت في اللعب واللهو. وبالفعل خرج الإخوة بـ يوسف إلى مكان بعيد، وقد عقدوا العزم على تنفيذ خطتهم، ثم وصلوا إلى مكان فيه بئر عميق، فألقوا فيه أخاهم من غير شفقة ولا رحمة، ثم عادوا أدراجهم، وقد حملوا قميص يوسف معهم، ولوثوه ببعض الدماء؛ ليخفوا حقيقة ما جرى، ويدعوا أن ذئباً ضارياً شارداً هاجم أخاهم على حين غفلة منهم، فأكله! وما أن سمع يعقوب بالقصة حتى شعر أن ثمة أمراً قد دُبِّر، ولكن ماذا عساه أن يفعل، والأدلة بين يديه لا تقوى على إدانة مرتكب الجريمة. فسلَّم أمره إلى الله، طالباً منه الصبر على هذا المصاب الجلل.

ثم ينتقل المشهد القرآني ليخبرنا عن يوسف وقد أصبح في أسفل البئر، وبينما هو على هذه الحالة، إذ بقافلة من قوافل التجار تمر من هنا، ثم تنزل قرب البئر قاصدة الاستراحة والتزود بالماء والطعام، وما إن يلقي بعض رجال القافلة حبل السقاية في البئر طلباً للماء، حتى يتبين لهم أن ثمة غلاماً في البئر، فيفرح بذلك فرحاً شديداً، ويخبر رفاقه بهذا البضاعة التي كسبها من غير تقدير ولا تدبير. ثم إن تجار القافلة يستقر رأيهم على بيع ما وجدوه، ومن ثم يعرضونه للبيع لبعض المارة، فيشتريه بثمن زهيد! ويبدو أن الذي اشتراه كان صاحب جاه ومنصب ومكانة، وكان قبل ذلك صاحب توفيق؛ إذ أن شراءه لهذا الغلام سوف يجلب له الخير في قابل الأيام.

واستقر المُقَام بـ يوسف في بيت عزيز مصر، وفي هذا البيت الرفيع كانت لـ يوسف قصة، وأي قصة! تقول القصة: إن زوجة العزيز قد فُتنت بجمال يوسف، فطلبت منه -بعد مقدمات وممهدات- فعل الفاحشة معها! ويا لهول هذا الطلب! كان رد يوسف على طلبها بالرفض القاطع، وطلب الإعانة من الله للخلاص من هذه الفتنة التي حلت به من غير سابق إنذار. بيد أن المرأة المفتونة -وقد انسلخت من حيائها تماماً، وانساقت وراء شهوتها- أصرت على يوسف أن يفعل الفاحشة معها، وفي تلك الأثناء -والحال بين شد وجذب، وطلب ورفض- إذا بالباب يُفتح، وخلفه العزيز، وإذا بالثلاثة وجهاً لوجه: يوسف يسعى ويركض نحو الباب للتخلص من براثن الفتنة، والزوجة لاهثة وراء قضاء شهوتها، والزوج يريد أن يعرف ماذا يجري داخل قصره!؟

ورغم هذا الموقف الحرج، فقد بادرت الزوجة بتوجيه التهمة إلى النزيل الجديد في القصر، وطلبت من زوجها أن يودع هذا النـزيل السجن، أو ينزل به اشد العقاب؛ جراء محاولته تدنيس عرض سيد القصر، وعزيز مصر- بزعمها ! وأمام هذا الاتهام الصريح من المرأة لـيوسف، مع أنها رأس هذه الفتنة، لم يجد يوسف بداً من الدفاع عن نفسه بالحق، وقد دافعت هي عن نفسها بالباطل.

ومن أجل أن يعرف العزيز حقيقة ما جرى، طلب من بعض أعوانه، أن يتبين من أي جهة تمزق قميص يوسف، وبعد التحري والتحقق تبين أن قميص يوسف قد تمزق من الخلف، ما يعني أنه كان بصدد الفرار من الفتنة، إلا أن الفتنة لاحقته، وأمسكت بقميصه ما أدى إلى تمزيقه، فكان هذا دليلاً كافياً على براءة يوسف من هذه الفتنة التي كيدت له.

ثم إن امرأة العزيز تصبح هي وفعلتها حديث الطبقة العليا من نساء مجتمعها. وتسمع المرأة بما يدور على ألسنة النساء من هنا وهناك...إنه حديث يدور هامساً خافتاً...وإذن، فلتتدبر الأمر قبل أن يستفحل، ولتعمل بكل ما تملك من حول وطول لإطفاء نيران هذه الفتنة التي أخذ شررها يتطاير في كل مكان، وهي زوجة سيد مصر!

وكان من تدبيرها وحيلتها، أن دعت النساء إلى حفلة ذات طعام وشراب، وقدمت لهن ما لذَّ وطاب، وكان من جملة ما قدمت لهن فاكهة تسر الناظرين، وقدمت مع كل طبق فاكهة سكيناً لقطعها على عادة كبراء القوم، وفي أثناء انشغال النسوة بتقطيع ما بين أيديهن من فاكهة، طلبت المرأة من يوسف الدخول على تلك النسوة، فما أن رأين يوسف حتى بهرن بجماله، ولم يشعرن إلا وهن يقطعن أصابعهن بالسكاكين ...وإذا بامرأة العزيز تبوح بمكنون صدرها ولواعج قلبها، وتهدد يوسف وتتوعده، بأنه إذا لم يفعل الفاحشة معها، فإن مصيره إلى السجن؛ ليذوق وبال صده، وينال عاقبة امتناعه، وليكون ذليلاً صاغراً.

ولا يجد يوسف أمام هذا السلطان القاهر المتحدي إلا أن يفزع إلى ربه، متضرعاً إليه؛ أن يصرف عنه السوء الذي أحاط به، ويبعد عنه شبح الفتنة التي تحاصره من كل جانب. وقد استجاب الله دعاء يوسف، فصرف عنه كيد تلك المرأة ومن ناصرها من بنات قومها. ثم آل به إلى الأمر أن يدخل السجن، وليكون له فيه أيضاً قصة أخرى.

دخل يوسف السجن -على ما فيه- مُؤْثِراً إياه على فعل ما لا يرضي الله سبحانه، وكان السجن هو الحصن الذي احتمى فيه يوسف من الفتنة ودواعيها، ثم كان فيه ما كان. كان هذا السجن -وكل محنة تحمل في طياتها منحة- هو الطريق الذي سلك بـ يوسف إلى المُلك، الذي أراد الله سبحانه أن يضعه بين يديه، وأن يجعله خاتمة لهذه الرحلة الشاقة على أشواك الابتلاء.

يقيم يوسف في السجن مع رفاق سجنه، وسرعان ما يكسب حب رفقائه له، وينال ثقتهم؛ بما تجلى لهم من سمو أخلاقه، وعلو نفسه، وسداد رأيه، ونفاذ بصيرته. ثم ها هو ذا يصبح المرجع في تفسير الأحلام التي يراها أهل السجن -وما أكثر ما يرى السجناء من أحلام- وذات يوم يسأله شابان من رفاق السجن عن رؤيا رأياها...كان أحدهما قد رأى في المنام أنه يعصر عنباً، ليصنع منه خمراً، وأما الآخر فكان قد رأى أنه يحمل خبزاً فوق رأسه، والطير تأكل منه. فوجد يوسف من حسن ظنهما فيه مُنْطَلَقاً إلى أمر هو أعظم وأنفع لهما من تأويل رؤياهما، وهو دعوتهما إلى الله الواحد القهار. فبدأ يبين لهما وحدانية الله، وأنه سبحانه هو الإله الذي يستحق العبادة دون سواه من الآلهة، التي لا تملك من أمرها شيئاً.

وبعد أن أوصل يوسف رسالته الدعوية لهذين الشابين، أخذ في تأويل رؤيا كل واحد منهما، فأخبر الأول أنه سوف يسقي الخمر لسيده، وأخبر الثاني أنه سوف يصلب، والطير تأكل من رأسه. وأنهى تأويله لهما بقوله: إن كلا الأمرين قضاء من الله حاصل، لا مرد له ولا دافع.

ثم أقبل يوسف على الشاب الذي توقع له النجاة، وطلب منه أن يلتمس له من سيده -عزيز مصر- فك أسره، وإطلاق سراحه. ثم يخرج الشاب من سجنه، وينشغل بأمور حياته، ويقابل سيده، ويقدم له الخمر، إلا أنه ينسى أن يبلغه رسالة يوسف التي حمَّله إياه إليه.

وكان من أمر ملك مصر أن رأى رؤيا شغلت باله، وأقضت عليه مضجعه، ولم يجد بين صفوف حاشيته من يؤولها له. وبينما الحال كذلك، إذا بصاحب يوسف الذي نجا من السجن يتذكر يوسف، فينطلق إليه مسرعاً، ويسأل يوسف عن تأويل رؤيا الملك، ثم يعود إلى الملك كالسهم، ويلقي بين يديه تأويل ما رآه، ويقع ذلك التأويل من الملك موقعاً حسناً، وعندها يهتف الملك بمن حوله طالباً منهم إحضار يوسف؛ ليكون إلى جانبه مستشاراً، ومعاوناً له في إدارة شؤون مصر.

بَيْد أن يوسف يأبى أن يستجيب لدعوة الملك، ولم تشغله فرحة الخروج من هذا القبر، الذي أطبق عليه تلك السنين الطويلة...عن أن يطلب التحقيق في أمر سجنه. ومن ثم يطلب من الملك أن يحقق في هذا الأمر؛ ليعيد له الاعتبار، ويُعْرَفُ صاحب الحق من الباطل.

وها هن النسوة يمثلن في مجلس الملك؛ لكشف النقاب عن ملابسات اعتقال يوسف، ويسألهن الملك عن هذا الحدث الذي كان بينهن وبين زوجته...ولا يسع الزوجة إزاء هذا الموقف إلا الاعتراف بحقيقة ما جرى، ومن ثم تخبر زوجها أنها هي التي طلبت من يوسف فعل الفاحشة معها! وقابل طلبها بالرفض والامتناع.

وتشتد رغبة الملك -وقد قامت الأدلة على براءة يوسف وعفته ومروءته- في لقاء يوسف، ويقع من نفسه موقعاً متمكناً؛ إذ رأى فيه الرجل الذي يجد عنده سداد الرأي، وصدق النصح، وحسن التدبير ما يقيم ملكه على دعائم قوية. وهكذا كان يوسف إلى جانب الملك يشرف له على موارد الدولة الاقتصادية، ويدبر له صادرها وواردها.

مضى الزمان يطوي الليالي والأيام، و يوسف يدير اقتصاد مصر ويدبره، ووقعت مجاعة في أرض كنعان التي كان يعيش فيها يعقوب وأبناؤه. وكانت مصر بفضل تدبير يوسف قد أعدت لهذا الأمر عدته؛ فادخرت كثيراً مما زرعت وحصدت، وبهذا أصبحت مصر في تلك الأيام المجدبة محط رحال الوافدين إليها، يطلبون الزاد والغذاء.

وقصد إخوة يوسف مصر طلباً للتزود بالطعام، وقدّر الله أن يجتمعوا بأخيهم يوسف من غير أن يعرفوه، بيد أنهم أخبروه أنهم أولاد يعقوب. ومنذ اللحظة التي رأى فيها يوسف إخوته، أخذ يدبر أمراً بينه وبينهم. وها هم أولاء يطلبون منه التزود بالطعام، وها هو ذا يرفض تزويدهم بالطعام إلا بعد أن يأتوا بأخ لهم من أبيهم؛ ليكون ذلك دليلاً على صدقهم فيما قالوه من أنهم أبناء يعقوب.

ويعود الأبناء إلى أبيهم، وما يكادون يلتقون به حتى يخبروه بأنهم منعوا من التزود بالطعام إلى أن يأتوا بأخ لهم..ولم يجد يعقوب بداً من التسليم بالأمر الواقع، فسمح لهم باصطحاب أخيهم معهم، وأخذ عليهم عهداً بأن يأتوه به، ولا يضيعوه كما ضيعوا أخاهم من قبل! وقبل أن تتجه القافلة تلقاء مصر ثانية، نصحهم أبوهم ألا يدخلوا مصر من باب واحد، بل يدخلوها من عدة أبواب؛ مخافة أن يحسدهم الناس؛ إذ كانوا على درجة من الجمال.

ويصل الركب ثانية إلى مصر، ويلتقي يوسف بأخيه، ويخلو به، ويضمه إليه، ويخبره أنه أخوه. وكان يوسف قد دبَّر حيلة لإبقاء أخيه إلى جانبه، فأمر بعض أعوانه أن يضع مكيال الطعام ضمن أمتعة أخيهم من غير أن يشعر أحد منهم بذلك، وسار الأمر وفق ما خُطط له، وقبل أن تنطلق القافلة برحلة العودة، إذا بمنادي الملك يخبر القافلة بأن مكيالاً قد سُرِق، وأنه لن يُسمح بالمغادرة للقافلة إلا بعد أن يتم تفتيش متاع القافلة، ومعرفة السارق.

وبدأت عملية تفتيش الأمتعة، ثم استخراج المكيال المسروق من متاع الأخ، وما أن رأى إخوة يوسف استخراج المكيال من متاعه حتى أُسقط في أيديهم، ورجوا يوسف أن يأخذ أي واحد منهم، ويطلق سراح أخيهم؛ لأن أباه لا يتحمل فقده. وجاء الجواب بالرفض القاطع.

وعاد الركب بالطعام وتركوا خلفهم أخاهم، وهم حائرون في أمرهم، كيف سيكون موقفهم من أبيهم؟ وماذا سيقولون له؟ وهل سيصدقهم هذه المرة ؟

علم يعقوب بما حدث، ولم يجد أمامه إلا الصبر على هذا المكروه، والاستسلام لأمر الله، والرجاء في رحمته وإحسانه. لقد نكأ هذا الجرح الجديد جرحاً قديماً، كان غائراً في أعماق نفسه بسبب فَقْدِه لـيوسف، وها هو اليوم يفيد ابنه الثاني.

ويمضي يعقوب في موقفه هذا مع ربه، وشكاته إليه، والوقوف بباب فضله، غير يائس أبداً من فضله سبحانه، ثم يتوجه إلى بنيه طالباً منهم البحث عن يوسف وأخيه، وحاثاً إياهم على عدم اليأس من فضل الله ورحمته، فلم يسعِ الأبناء إلا الاستجابة لطلب أبيهم، فأعدوا العدة، ويمموا وجههم ثالثة إلى مصر للبحث عن يوسف وأخيه.

وها هم الإخوة بين يدي يوسف، يرجونه ثانية أن يطلق سراح أخيهم...فيرى يوسف ما أصاب أهله من ضرٍّ، وما حلَّ بهم من ضيق، فيرق لحالهم، ثم يسألهم سؤال المعاتب: هل علمتم ما فعلتم بـ يوسف عندما كان صغيراً؟ فيتعجب الإخوة من هذا السؤال، ويستفسرون منه إن كان هو نفسه يوسف، فيأتي الجواب بالإيجاب. وهنا يشعر الإخوة بالندم على ما كان منهم، وأنهم كانوا على طريق ضال في الكيد الذي كادوه له.

ويطوي يوسف سريعاً صفحة الماضي الأسود، ويغطي على كل آثارها بالصفح الجميل، وطلب المغفرة على ما كان منهم. ثم يطلب يوسف من إخوته أن يحملوا قميصه، ويلقوه على وجه أبيهم؛ كي يرتد إليه بصره. وينطلق الركب فرحين بما يحملونه من أخبار سارة يبثونها إلى أبيهم. وما أن يشارفوا على الوصول حتى يخبر يعقوب أنه يجد ريح يوسف ، ويدخل الأبناء على أبيهم، ويلقوا القميص على وجهه، فيعود إليه بصره بإذن الله. ثم يخبروه بما جرى بينهم وبين أخيهم يوسف، ويطلبون منهم المسير معهم إليه ليلتئم شمل الأسرة.

ويصل يعقوب وأبناؤه إلى مصر، ويدخلون على يوسف، وما أن يرى يوسف أباه بعد هذا الفراق الطويل حتى يقبِّله، ويرفعه على المكان المخصص لجلوسه احتفاء به، ثم يتوجه مناجياً ربه، بالشكر والحمد له على ما أنعم عليه من نِعَم، وما أفاض عليه من عطاء، طالباً منه أن يتوفاه على دين الإسلام، وأن يلحقه بعباد الله الصالحين.

منقول من : islamweb.net
جزاهم الله كل خير